من يبدد العفو على أبطال حراك الريف ؟

بعد أن أصدر القضاء أحكامه القاسية في حق معتقلي (حراك الريف )،لم يعد هناك من أمل في تجاوز تداعيات الإدانة داخليا وخارجيا ،سوى عبر تفعيل آلية العفو ،علما أن القضاء في مرحلته الاستئنافية لايتوقع أن ينقض غزله (أقصد أن يبرئ المعتقلين) ،وبالتالي فالقشة الوحيدة المتبقية لإنقاذ سمعة بلد جراء هذه الإدانة تكمن في تفعيل هذه الآلية التي وضعها الدستور بيد الملك (العفو الخاص) ،وإلى حد ما بيد البرلمان (العفو العام) بيد أن الرهان هنا على العفو الملكي لأهميته ورمزيته وسلاسة إجراءته .. لكن بموازة مع ذلك ،ولكي يحقق العفو مفعوله ،لا بد أن تواكبه إجراءات عميقة لبناء الثقة وإعادة زخم الأمل إلى نفوس المغاربة ،خاصة في منطقة الريف ،والمغرب عموما. بما يعزز مسلسل المصالحة الذي دشنه المغرب مع بداية العهد الجديد، و زيادة منسوب الثقة بين المواطنين والدولة ،بما يجعلهم في عمق العملية التعاقدية .

إذ المؤكد أن حراك الريف، بما عرفه من تداعيات دراماتيكية ،تسبب في تآكل جزء كبير من رصيد الثقة الذي تراكم بين سكان الريف والدولة ، إثر مسلسل المصالحة الذي دشنه العهد الجديد مع منطقة الريف جغرافيا وتاريخا وإنسانا ،وجاءت أحكام الإدانة لتضع مصداقية هذا المسلسل برمته على المحك ،وتعرض كل الشعارات والمكتسبات التي واكبته إلى التشكيك والطعن والتراجع ، في الداخل كما في الخارج ،وهذا بالتأكيد ليس في مصلحة بلد تجاهد للتغلب على مثبطات بنيوية ، تاريخية وسياسية ونفسية واجتماعية واقتصادية للانخراط في أفق “الحداثة السياسية ” وانجاز الإقلاع الاقتصادي والتنموي المنشود.

فضلا عن كون هذا المآل المؤلم الذي تردى إليه ملف حراك الريف بعد الأحكام القضائية، لا يعدم تداعيات سلبية على أجندة ومصالح المغرب الخارجية ،التي يهدف من خلالها إلى طرح نفسه كبلد صاعد ،مستقر ومنخرط في عملية انتقال سلس نحو الديمقراطية ،وحقق في ذلك حتى الآن نجاحا نسبيا ،تجلى في تنامي رصيد الثقة الذي يحظى به لدى هيئات و دول كثيرة ،وهو ما انعكس على سبيل المثال على تدفق الاستثمارات الأجنبية ، وكذا تدفق السياح ،بالإضافة إلى اختياره كمنصة للعديد من الفعاليات الإقليمية والعالمية..

ومن الصعب على حكومة الدكتور سعد الدين العثماني ،وهي التي أقرت بمشروعية المطالب الاجتماعية والاقتصادية ،التي خرج من أجلها معتقلو الريف إلى الشوارع ،أن

تبرر أمام الرأي العام الوطني، ناهيك عن الرأي العام الدولي ،الأحكام القاسية التي صدرت في حقهم ، بل إن وصف بعض المسؤولين الحكوميين لهذه الأحكام ب “القاسية ” يزيد موقف الحكومة ضعفا وتهافتا واتهاما بالتآمر ،كما أن التعلل بـ “استقلالية القضاء ،واستقلالية النيابة العامة عن الحكومة” لا يجدي ،على الأقل في هذه الظرفية المشحونة ،بل يمكن أن يظهر الحكومة بمظهر ” من يقتل القتيل ويمشي في جنازته”، لأن المفترض أن الحكومة هي من أمرت باعتقال نشطاء الحراك ،وقدمتهم إلى المحاكمات ،حتى وهي تقر بمشروعية مطالبهم الاجتماعية والاقتصادية! ،وهنا مكمن المفارقة والتناقض والورطة ،التي تفضح أخطاء الحكومة في تدبير ملف احتجاجي سلمي بدفتر مطالب اجتماعية وتنموية ،كان بامكانها ،بقليل من الذكاء السياسي أن تحتويه من خلال الإنصات و الحوار والانفتاح على النشطاء،الذين تشبثوا إلى أخر لحظة بالسلمية واحترام المؤسسات ، (اتركونا من خرافة الانفصال والتآمر،حتى على فرض وجودها، فهي معزولة ومنبوذة ،ولا يقول بها إلا أحمق أو مغامر.. ) .

بقلم : مصطفى المريني

مقالات ذات الصلة

14 مايو 2024

إدارة باريس سان جيرمان قلقة بسبب أشرف حكيمي وخطوة كيليان مبابي

14 مايو 2024

محكمة الاستئناف تقرر إدخال ملف بيع الرضع بالمستشفى الجامعي بفاس للمداولة يوم 28 ماي الجاري

14 مايو 2024

تقارير : التعاون العسكري بين المغرب وإسرائيل يُهدد إسبانيا وتواجدها في سبتة ومليلية والجزر المحتلة

14 مايو 2024

أفرج عنه بكفالة … قاضي التحقيق بجرائم الأموال يغلق الحدود في وجه رئيس جماعة رأس الماء بالناظور السابق أحمد الصبحي

14 مايو 2024

إختطف قاصر واحتجزها لأيام بفاس وعرضها لإغتصاب فظيع رفقة كلبه … إعتقال وحش في صورة إنسان

14 مايو 2024

مثول حامل العلم الفلسطيني أمام المحكمة بعد اقتحامه ملعب بركان خلال مباراة النهضة والزمالك

14 مايو 2024

بعد الموظفة التي سرقت الكراسي … اعتقال موظفة ثانية بجماعة صفرو نصبت على شركة للتأمين

14 مايو 2024

فضيحة ترامب..محاميه السابق يعترف بالكذب ويثير موجة جدل

14 مايو 2024

حسن أوريد: الحرب تدق على الأبواب

14 مايو 2024

بعد حكم القضاء … نواب يحاصرون وزير الصحة بعد ضجة لقاح “أسترازينيكا” القاتل

14 مايو 2024

دعا إلى قتله وتقطيعه … المحكمة العليا بكندا تبدأ في محاكمة اليوتوبر المغربي هشام جيراندو بعد شكاية وكيل عام مغربي

14 مايو 2024

صالح تزاري.. الوكيل العام للملك يشدد على دور النيابة العامة وشركائها في محاسبة رموز الفساد

14 مايو 2024

مجلس القضاء الأعلى يناقش متابعات تأديبية وتعيين قضاة جدد

14 مايو 2024

الملك محمد السادس يوجه “الأمر اليومي” للقوات المسلحة الملكية بمناسبة الذكرى الثامنة والستين لتأسيسها

14 مايو 2024

رفض السراح المؤقت لمستشار وزير العدل في ملف”سرقة 30 مليون من رئيس جماعة الجبهة”